تُعدّ جورجيا من الدول التي تروج فيها تجارة الجنس على الرغم من أنها غير قانونية، ومن السمات الأخرى لهذه الدولة الجبلية الصغيرة أنها استطاعت إقامة علاقات دبلوماسية جيدة متزامنة مع الاتحاد الأوروبي وروسيا وإسرائيل وإيران، ونتيجة لذلك يأتيها السياح من كل صوب وحدب.
استطاعت جورجيا التي يبلغ تعدادها السكاني 7.3 مليون نسمة أن تحول نفسها إلى وجهة سياحية جذابة، حيث كان لديها في عام 2017م ثلاثة ونصف مليون سائح حققوا 18 % من إجمالي الناتج المحلي بالدولة.
لا يحتاج السياح الإسرائيليون والإيرانيون والأتراك إلى فيزا من أجل دخول جورجيا، ويأتي من هذه الدول العديد من زبائن تجارة الجنس.
من أهم أسباب انجذاب زبائن السياحة الجنسية لـ جورجيا أن أسعار الخدمات الجنسية أرخص، والانفتاح أكبر في المدن الهامة.
وتواجه جورجيا مشاكل خطيرة في مجال تهريب البشر الذي لا علاقة له عادة بتجارة الجنس.
ويعتبر “مكتب رقابة ومكافحة تهريب البشر” في وزارة الخارجية الأمريكية جورجيا بأنها من ضمن دول “الرديف الأول”، والذي يعني بأنها لا تتبع المقررات الأمريكية لـ “قانون الحفاظ على ضحايا تهريب البشر”.
وتفيد التقارير المحلية بأخبار عن ارتفاع معدل تجارة الجنس للأطفال في جورجيا، وقد سلك بعض أنصار الديموقراطية الناشئة نهجًا أكثر رُقيًا تجاه تجارة الجنس.
يسعى عدد من المنظمات غير الحكومية لدعم المشتغلات بالجنس، وكانت هذه الدولة قد وقعت على جميع معاهدات منظمة الأمم المتحدة ومجلس الاتحاد الأوروبي ضد تهريب البشر، وبالأخص فيما يتعلق بالنساء والأطفال، ولكن على الرغم من كل ذلك، برز العديد من المشاكل، وراجت تجارة الجنس بصورة أسرع من جهود المنظمات غير الحكومية.
وتحتل إيران أكبر دور في رواج هذه التجارة، حيث تُعتَبر إيران في المرتبة الثالثة بين الدول، بحسب آخر تقرير من وزارة الخارجية الأمريكية، بمعنى أنها تتبع أدنى مستوى من مقررات مكافحة تهريب البشر، ولا تبذل جهودًا ملحوظة في هذا الصدد.
وقد انتقد هذا التقرير إيران فيما يتعلق بأن “ضحايا الاعتداء الجنسي من بين الإناث ومن ضمنهنّ ضحايا تهريب البشر، معرضات لخطر الملاحقة القانونية بتهمة الزنا-حيث تُعتبر علاقة خارج إطار الزواج- ويُحكم فيها بالإعدام”.
يتشارك الإيرانيون صلات ثقافية وشعبية مع شعب جورجيا منذ قرون، لكن خلال بضعة سنوات الأخيرة، قلما يبدو لإيران أثر في العاصمة الجورجية تفليس، وقد مُحي تاريخ أقدم التجار والعاملين والمثقفين الإيرانيين المقيمين في هذه المدينة.
ولقد تغيرت هذه الأوضاع بسرعة مؤخرًا، خاصةً من فبراير عام 2016م، حيث تم إلغاء شرط تأشيرة دخول جورجيا للإيرانيين.
وفكّر بعض المواطنين الإيرانيين في الخروج من إيران خلال الأعوام الأخيرة، بسبب انعدام الأمن الاقتصادي والقيود الاجتماعية.
ويتردد المقتدرون في العادة على أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية أو استراليا ونيوزيلاندا، أما البقية فيسعون وراء الخيارات الأرخص والأسهل مثل ماليزيا، الهند ، أرمينيا، تركيا وجورجيا أيضًا.
يوجد آلاف السياح الإيرانيين في تفليس، وبجولة قصيرة في الشوارع من المحتمل جدًا أن تسمع الموسيقى الإيرانية، أما المطاعم وشركات السياحة ومكاتب العقارات الإيرانية فتوجد بكثرة في منطقة محبوب راستاولي، لكن أقرب مكان يديره إيرانيون بالنسبة لك حيثما كنت: الملاهي الليلية التي تعتبر بمعنى أصح بيوت دعارة، وكانت مدونة إيرانية قد ادعت أن هناك 17 ملهى ليليًّا أو بيت دعارة تزاول أنشطتها في تفليس.
ونشرت مدونة أخرى نص حوار مع مشتغلة بالجنس تبلغ من العمر 26 عامًا من كرمانشاه. وقد أفاد بعض المسافرين بروايات مشابهة لما جاءت به.
قامت “إيران واير” الشهر الماضي بجولة تفقدت خلالها ملهى “ليالي طهران” في تفليس المعروف باستضافته للمشتغلات بالجنس، يبعد ملهى “ليالي طهران” بضعة أمتار عن “ميدان آزادي” المعروف بـ تفليس، ويقع تحت درج مختفٍ قليلًا عن الأنظار، وهو واحدٌ من أشهر الأماكن التي يتردد عليها زبائن تجارة الجنس.
وبجواره عدة أماكن مشابهة تعمل أغلبها على تقديم خدمات للأجانب، منهم الأتراك حتى أن ألوان العلم التركي الأبيض والأحمر تتراءى في الجوار، وخارج هذه الأجواء، يتجول بعض الشباب أغلبهم إيرانيون وأتراك وعرب ويتحدثون بصوت عالٍ عن برامجهم هذه الليلة، وتتعلق أغلب برامجهم بكيفية الحصول على مشتغلات بالجنس.
وصل فريق “إيران واير” حوالي الساعة الـ 11 مساءً إلى ملهى “ليالي طهران”، كنا أول الزبائن في تلك الليلة، وفي غرفة مظلمة أكثر ما كان يلفت الانتباه رقص العمود والأضواء الساطعة الملونة. صاحب الملهى كان إيرانيًّا في الخمسينات من عمره، رحب بنا بحرارة، وعرّف نفسه بـ كورش، وسأل ما نوع الموسيقى الذي نفضله، وأشار بيده للمشتغلات ليبدأن عملهن.
بدأت شابتان بالرقص حول العمود، واستمرا في احتساء الجعة خاصتهم.
كان يبدو على كلٍّ منهما أنها “قوادة”، وعندما تحدثنا معهما تأكد لنا أن تخميننا كان في محله. تقولان إن لديهما فتيات كثيرات، ولكن عليهن التحدث مع كورش في البداية.
هؤلاء الزعيمات أيضًا مثل بقية المشتغلات الجورجيات، وعندما تحدثنا معهن، اتضح لنا أنهن أتين من مدن خارج تفليس، بعد التحدث قليلًا تجاوز كورش المجاملات، وقال: “إننا نستطيع اصطحاب أي واحدة نريدها معنا”. وسألناه: هل يعرف مشتغلات بالجنس إيرانيات أخريات أم لا؟ فأحضر هاتفه على الفور ليرينا صورًا.
يقول كورش: “لدينا إيرانيات، من كل الأعمار، وكل الأذواق. الجورجيات أغلى ثمنًا بالنسبة لكم لكن ليس كثيرًا، لدينا روسيات، زنوج، أرمينيات. نحن في خدمتكم” تتراوح الأسعار ما بين 40 حتى 200 دولار.
يحاول كورش التسويق لـ جورجيا على أنها وجهة جيدة من أجل السياحة الجنسية، فيقول: “أقرب من تايلند، وأقل متاعب من دبي، لقد أصحبت الآن عاصمة هذا العمل حقًا. صدقوني!” ثم تحدثنا مع بعض التجار الإيرانيين الذين يتخذون “ليالي طهران” ملتقى لهم.
يقول أمير البالغ من العمر 47 عامًا، ويزاول نشاطه في الصفقات العقارية: “إذا جئت هنا مؤخرًا ولا تعرف أحدًا، فتلك الملاهي الليلية هي أفضل مكان”.
ويؤكد أن المشتغلات بالجنس اللاتي ظهرن في “ليالي طهران” كنّ “مؤقتات”. الخيار الأقرب بالنسبة له، استيراد مشتغلات بالجنس من إيران، وبالطبع له زوجة وابن في إيران، لكنه يدير مكتب في تفليس، وقد حصل على إقامة قانونية في جورجيا، ويقضي نصف العام هناك. تساعد أسعار الرحلات الجوية الزهيدة في سهولة التحرك بين طهران وتفليس.
يقول أمير: “هذا ليس فاحشةً. إنه بمثابة زواج بسيط. إننا ننفق على السفر والإقامة ومصاريف شهرية ضخمة، والمرأة تبقى هنا، ولا تغادر المنزل أيضًا، فهذا يعود بالنفع على الطرفين”.
لم نستطيع التحاور مع أي مشتغلة بالجنس إيرانية في تفليس، لكن بعض المشتغلات بالجنس الجورجيات تحدثن لنا عن زميلاتهن الإيرانيات.
تقول إحداهن: “أعرف امرأة إيرانية جاءت إلى هنا كسائحة.. كان لديها عمل في إيران أيضًا، لكن راتبها الشهري كان حوالي 200 دولار. كانت موجودة في ملهى ليلي، واعتقد سائح إسرائيلي أنها تعمل فيه، وعرض عليها مباشرةً 100 دولار. في البداية صدته، وقالت له: لا، لكن أموالها تبددت سريعًا، ولم تكن تستطيع العودة إلى إيران. هذا طريق نجاة بسيط، ومن حينها وهي تعمل في هذا المجال”.
تحدثنا أيضًا مع سيما، وهي مشتغلة بالجنس إيرانية تعيش في دبي. كانت على علم بوضع سوق تفليس. سمعنا منها قصة مجكان المشتغلة بالجنس الإيرانية التي انتقلت من دبي إلى تفليس. على حد قول مصدرنا، مجكان كانت في سجن دبي مع قوادة إيرانية تُدعى “نازي” وهي متخصصة بالزبائن من “المسؤولين الحكوميين والأصفهانيين الأثرياء”.
على حد ما روت سيما: “مجكان قررت مع نازي (القوادة) أن تذهبا إلى جورجيا، والآن مجكان موجودة في جورجيا، تعرف المكان الذي تتحدثون عنه (ملهى ليالي طهران)، لكنها تقول إنها لا تذهب إلى هذا المكان لأنه مشبوه للغاية، وتدير نازي بنفسها بيت دعارة في تفليس.”
تقول إن العمل هناك أسهل، وتتولى مهام أسهل، لكن الإيرانيين الذين يذهبون إلى جورجيا أغلبهم شباب وسياح يضايقون الفتيات ولا يدفعون أموالاً.
سألناها هل تعرف أحدًا أتوا به إجبارًا إلى تفليس أم لا؟ فقالت: “في بادئ الأمر لا يكون هناك إجبار فلا يخطفون أحدًا مثلًا ويحملونه إلى دبي أو جورجيا، لكن بعد ذلك يكون الأمر إجبارًا. بمعنى أنهم يقطعون لكم وعودًا مثلًا، يقولون إنكم ستذهبون للعمل، وفي أقل من عام ستحصلون على 500 مليون تومان على الأقل، وبعد ذلك أنتم أصحاب القرار لكم حياتكم هنا، ويمكنكم العودة إلى حياتكم السابقة، ومن ثم تبدأ المصيبة.
بعدما تقعون في فخ هذا العمل يجعلونكم تدمنون تناول أي شيء (الخمر، المخدرات)، أي شيء يجعلكم لا تستطيعون مغادرة المكان، بمعنى أنكم ستفعلون أي شيء للحصول على المخدرات أو الخمر، بعدها يأخذون منكم جوازات سفركم، ويقولون لكم إذا عدتم إلى إيران فسوف يعدمونكم، وسوف يضربونكم باستمرار ويهينونكم، حتى إنهم سيحبسونكم، يؤذونكم لدرجة أن تعتقدوا أن هذه هي حياتكم ولا مفر منها.
ثم نعلم أن الحكومة تقف في صفهم، يعني عندما ترون الحاج الملتحي أو ضابط الحرس الثوري ذا اللحية والشنب يأتي إلى دبي، ويمسك يد امرأة قوادة بيد ويمسك الكأس بيد أخرى، فماذا يمكنكم أنتم أن تفعلوا؟”.
لا يوجد معدل دقيق للمشتغلات بالجنس الإيرانيات في جورجيا، لكن لا شك في أن هذا العدد متزايد.
لقد أوقف المسؤولون الجورجيون مؤخرًا بعض حسابات البنوك الإيرانية بتهمة غسيل الأموال. على حد قول بعض التجار الإيرانيين في تفليس، إذ يتم استغلال عدد من الملاهي الليلية والكازينوهات الإيرانية في غسيل الأموال.
هناك شبكة من المشتغلات بالجنس والتجارة والسياحة وغسيل الأموال في هذه الدولة الصغيرة، وجميع أماكن هذه الشبكة لا يُعرف عنها الكثير.
الآن حيث تنغمس إيران في أزمة اقتصادية عميقة، تتأثر دول المنطقة أيضًا بلا شك مثل جورجيا.
يقول أمير: “نحن لا نقوم هنا بأفعال غير قانونية مثل أغلب الإيرانيين، وجئنا لأننا نتمتع بعلاقات جيدة مع السكان المحليين، نحن لا نملك الأموال القذرة لحكومات إيران، ونقضي وقتًا سعيدًا هنا، فلا تجعلوا منا قصة”.