آرش عزيزي- إيران واير
خلال تغطية أحداث مقتل قاسم سليماني، تمت الإشارة إلى بلد أكثر من غيره بخلاف إيران وأمريكا، وهو العراق, ذلك البلد الذي جعل من سليماني قائًدا معروفًا في ساحات معاركه، وهو نفس البلد الذي كان مكان موته.
ورغم ذلك فإن شعب بلد آخر قد أبدى ردة فعل إزاء مقتل سليماني أكثر من العراقيين، وهو شعب سوريا, تلك الدولة التي لعب سليماني دورًا رئيسيًا في أحداثها خلال السنوات الأخيرة.
في شوارع إدلب، آخر معقل سوري تحت سيطرة معارضي بشار الأسد، كان الأهالي يوزعون الحلوى ردًا على هذا الخبر.
فقد صرح أحدهم ويُدعى “برهان” وهو مواطن مدني، فر من مدينة الزبداني الواقعة بالقرب من العاصمة دمشق إلى إدلب قبل عدة سنوات، في حوار له مع “ميدل ايست أي”، وهو يتذكر ما كان يحدث حينما كانوا محاصرين من قبل قوات سليماني: “لقد كنا نأكل القطط، وكان الناس يبيعون سياراتهم من أجل 2 كيلو من الأرز, لقد تسبب سليماني وقواته في إزهاق روح الكثيرين بسبب الجوع”.
وقالت لبنى مرعي وهي كاتبة سورية لاجئة بسبب الحرب ومقيمة حاليًا في كاليفورنيا، لموقع إيران واير: “لا شك أنني ضد شن حرب على إيران، ولكن ينبغي علينا أن نفهم لماذا كان يوزع السوريون الحلوى في الشوارع؟ إنهم يرون أن سليماني مجرم حرب.”
وذكرت مرعي “أن الأهالي في حلب يعتبرون سليماني، المسؤول عن سقوط حلب الشرقية”, موضحة أن الهجمات الوحشية لقاسم سليماني وقواته على حلب الشرقية التي كانت لسنوات طويلة تحت سيطرة المعارضة، أدت إلى مقتل وتشريد الآلاف, وبات أغلب أهالي حلب يعيشون الآن في أصعب الظروف: “دون مسكن، ودون مواد غذائية كافية، وفي خطر تدميرهم في أية لحظة عبر غارات جوية لنظام الأسد أو روسيا.”
لافتة النظر إلى أنه حينما توصلت موسكو ودمشق لاتفاق مع المعارضة، حتى يتمكن المدنيون والعسكريون من التوجه من حلب إلى إدلب مقابل الاستسلام، لم يستحسن سليماني هذا الاتفاق وكان يرغب في انتهاكه.
وبدورها غردت الصحفية السورية لينا شامي على موقع تويتر: “كان قاسم سليماني يرغب في قتل جميع أهالي حلب الشرقية، وكان يعارض أي اتفاق من شأنه أن يبقينا على قيد الحياة.”
ليس من المستغرب احتفال الكثيرين في إدلب عبر ترديد هتاف “سليماني طار”، وقد كان لأهالي حلب المشردين دورًا رئيسيًا في هذه الاحتفالات.
أما في حلب التي تخضع حاليًا لسيطرة قوات الأسد الديكتاتورية، فقد أقيمت مراسم العزاء الرسمي في مسجد المدينة، والذي لا يبدو أن عدد كبير قد شارك به, بالطبع لا يمكن إدراك رأي أهالي حلب الحقيقي في ظل ديكتاتورية الأسد المروعة.
وكانت دير الزور من المناطق السورية الأخرى، التي من المرجح أن يكون أهلها قد رحب بخبر مقتل سليماني في الخفاء، إذ لا تزال القوات الخاضعة لسليماني تحكم بقبضة من حديد وفقًا لتصريحات عمر أبو ليلى مدير موقع دير الزور 24.
لقد ارتبط اسم قاسم سليماني بين اللاجئين السوريين، بأسماء المدن السورية المختلفة التي كان له دور في تدميرها.
قال عمر أندرون الطالب السوري اللاجئ والمقيم في نيويورك وأحد أهالي منطقة اللاذقية، لموقع إيران واير: “لقد سمعتُ الخبر وتذكرتُ أهالي حمص ودرعا وحلب وإدلب, تذكرتُ الوطن الذي فقدناه جميعًا,هذا الرجل كان مهندس الحرب السورية, وكان المسيطر على ديكتاتورنا, كان هو من درّب الأسد، وجر انتفاضة الشعب إلى حرب طائفية-دينية.
قال اندرون: “لقد شعرت بالسعادة لخبر مقتل سليماني كما أشعر بسعادة تدمير أحد قاذفات القنابل التابعة للجيش السوري بالنسبة لنا جميعًا، يعتبر الأمر شخصي.”
تقول مرعي التي تعمل على تأليف كتاب حول سوريا: “إن الشعب السوري ينتظر أي عدالة باستماته، وإن موت مجرم حرب مثل سليماني، في رأيهم هو نوع من العدالة.”
وتوضح هذه الكاتبة أن هدف ترامب من قتل سليماني لم يكن لتحقيق العدالة, قائلة: إن ترامب يرغب في التباهي قبل انتخابات 2020، والأمر لا يتعلق بالشعب السوري ولا بقتل الأشخاص السيئين, إنما يرجع الأمر برمته إلى ترامب واستماتته على إعادة انتخابه مرة أخرى” مؤكدة أن الحرب مع إيران، ستكون أسوأ حدث على الإطلاق.
لا شك في أنه سيكون لمقتل سليماني، تأثير فعال على مستقبل سوريا في الوقت الراهن، هناك نقاشات ساخنة حول هذا الأمر في المحافل الأمنية والتحليلية حول العالم، وكيف سيتم سد فراغ سليماني؟
لا شك في أن سليماني لم يكن مجرد شخص, حيث كان “إسماعيل قاآني” الذي خلفه في قيادة فيلق القدس، نائبًا لسليماني لمدة 12 عام، وكان المحللون يذكرون اسمه منذ سنوات طويلة كخليفة لسليماني في حال تعرضه للقتل وهذا يعني أنه كان مستعدًا لهذا اليوم العصيب، ورغم ذلك، يمكن القول بأنه ربما لم يحلم مطلقًا بأن يوم فقدان سليماني قد حل بهذه السرعة.
هناك ثلاث نقاط، تُصعب أمر إيران على خليفة سليماني: أولًا، أن قاآني شخصية بيروقراطية وليس لديه الكاريزما الأسطورية لسليماني.
ثانيا، أن أغلب علاقات سليماني بقادة الميليشيات المختلفة في المنطقة، كانت علاقات شخصية, حتى أنه كان يُقال إن بشار الأسد كان يخشى سليماني ويقدره، تلك العلاقة التي تجاوزت قيادته لفيلق القدس.
ثالثًا: أن قاآني (وهو من أهل خراسان) كان مسؤول لفترة طويلة عن العلاقات بدول شرق إيران (أفغانستان والهند)، ولم يكن متخصص في السيطرة على أوضاع العالم العربي, كما أنه يُقال إنه لا يجيد اللغة العربية، وليس لديه معرفة بإسرائيل وتعقيداتها وعلاقاتها الخاصة بروسيا، وهذا يعني أنه لن يتم سد فراغ سليماني بسهولة.
الحقيقة الأخرى هي أن الساحة السورية الحالية، مفعمة بالميليشيات التي تتنافس مع بعضها البعض حتى داخل معسكر أنصار الأسد, مع موت سليماني، من المتوقع أن تسيطر القوات الأكثر قربًا لموسكو (بما في ذلك قطاعات الجيش السوري التي لها علاقة مباشرة بموسكو) ولو بشكل مؤقت.
حقيقة الأمر، أن التنافس الإيراني الروسي المستمر منذ عهود طويلة، سيكون له دور في تقرير مصير سوريا، وأن موت سليماني قد زاد من صعوبة الأمر على إيران.
إنه لمن القضاء المرير لسوريا خلال هذه السنوات، أنه قد يتحدد مصيرها عبر تنافس الدول الأجنبية أكثر من أي شيء آخر.